على طرف الوسادة ذكرى

 بقلم : عصماء بنت محمد 



في كل ليلة تتسلل الذكرى إلي خلسة، تجلس بجانبي على

 طرف الوسادة، تحدق في وجهي بصمتٍ خفيف ، وتبدأ بسردٍ

 لا أوقفه ولا أريد له أن يتوقّف، أتذكر ليالي الشتاء في بيت

 جدي، ذاك البيت الذي كانت جدرانه تشهق حين يهطل المطر


فتنزف ماءً من كل زاوية، كأن الجدران كانت تبكي معنا دون

 أن تفهم لماذا نضحك، كنا نركض تحت المطر داخل البيت 

نقفز فوق البرك الصغيرة التي غزت أرض الغرف

نضحك نصرخ كأن العالم خلق للتو وكأننا أول من سكناه

كنا نعلم تمامًا أن المطر سيغادر وسنخرج الفرش إلى الفناء

نجففها تحت خيوط الشمس المترددة ونمسح الأرض كأننا

 نعتذر لها عن فوضانا الطفولية،  لكننا لم نكن نُبالي

لم نكن نعرف ماذا يعني أن يتعبك شيء أن يخذلك جسدك 

أن يكسر قلبك خبر، الطفولة كانت تحجبنا عن كل هذا

كأنها غيمة وديعة نائمة فوق أرواحنا.

ثم كبرنا وغادر كلّ من كان يملأ البيت ضجيجًا وضحكًا

كلٌ شقّ طريقًا، كلٌ تبع ظله في طريق لا يعود منه أحد كما

 كان افترقنا شيئًا فشيئاً، لا ضوضاء لا وداع فقط

هدوء ثقيل يشبه إغلاق الباب الأخير في بيت مهجور

صرنا نعيش لكن بلا أن نلعب، صرنا نضحك، لكن لا نرتعش

 فرحاً كما كنّا وأحياناً في منتصف الليل ،أسمع قطرات المطر

تسقط على نافذتي بصوت مألوف فأظنّ لوهلة أنني هناك 

في بيت جدي وأن أصواتنا ستعود وأن الأرض ستغمرها المياه

 من جديد وسنركض فوقها بلا خوف. لكن لا أحد يأتي

ولا أحد يعود ، كلّ شيء تغيّر ، حتى نحن ، صرنا نسكن

 أجسادًا تشبهنا ، لكن أرواحنا علقت في بيت قديم 

يقطر منه الحنين

تعليقات

إرسال تعليق