كتب :فايل المطاعني
منذ نعومة أظافري، كنت مأخوذًا بسحر الحروف…
أعشق كتابة المذكرات الشخصية، كما لو كنت أدوّن خريطتي السرّية للحياة.
قرأت مذكرات الكثير من زعماء العالم: من هنري كيسنجر إلى هيلاري كلينتون، ومن كوندليزا رايس إلى الملك الحسين بن طلال والملك الحسن الثاني… حتى نتنياهو قرأت له—لا حبًّا، بل لأنني أؤمن بوصية: اعرف عدوك.
لكنني لم أتخيّل يومًا أن أكتب مذكراتي…
الحياة لا تخبرنا ماذا سنفعل، بل تفعل بنا ما يجعلنا نكتب.
مذكراتي هذه ليست فقط عني، بل عن تجارب لامستني، عبرت بي، وربما عبرت بكم.
كبر الولد الشقي… وأصبح رجلًا، يُمسك قلمه لا ليُشاكس، بل ليُفكّر… ليحكي عن تلك اللحظات التي صنعت "فايل المطاعني".
فهيّا، افتحوا الصفحة الأولى من "تجربة حياة"…
الفصل الأول:
والدي ساحر
في مساء ربيعي هادئ، وبينما كنت أحتسي كأسي المفضّل من الشاي بالنعناع، رنّ هاتفي.
رفعت السماعة، وجاءني صوت خافت كأنّه يستنجد بالضوء من عتمةٍ عميقة:
الصوت: الكاتب فايل المطاعني؟
أنا: نعم.
الصوت: أنا سهام…
أنا: أهلاً وسهلاً.
سهام (بتنهيدةٍ كسيرة): والدي… ساحر.
سكتُّ لحظة، ربما لأتأكّد أنّني سمعت جيدًا.
قلتُ لها: سيدتي، أظنّك أخطأت الرقم. أنا كاتب، لا شيخ فتوى، ولا لي شأن بالسحرة.
لكن شهقةً خافتة تسلّلت عبر الهاتف، كأنها سهم أصاب قلبي.
قالت بتوسّل: أرجوك… اسمعني. لا أحد سواك يمكنه مساعدتي.
تردّدت، لكن شيئًا في صوتها هزّني، فيه حزنٌ، وجمالٌ خفيّ، ونداءٌ لا يُقاوَم.
قلت: حسنًا… هل ترغبين بلقاء؟
أجابت فورًا: نعم، أرجوك.
قلت لها: إذن نلتقي غدًا في العاشرة صباحًا، في مطعم "الكروان".
ذاك المطعم الذي رافق أيّامي منذ كنتُ طالبًا، لا أذهب إليه إلا حين تزدحم عيني بالحنين.
وفي صباح اليوم التالي… أتت.
دخلت فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها.
حنطية البشرة، تركت شعرها يلعب بوجهها كما يشاء.
عقد لؤلؤ أزرق مستطيل يتدلّى على جيدها.
فستان أبيض رسمت عليه أمواج البحر، بكسَرات تبدأ من خصرها وتنسدل حتى قدميها.
كانت ملامحها حائرة، كأنها تبحث عن شيءٍ ضائع… أو عن حبيب.
وحين رأتني… ابتسمت.
وفي تلك الابتسامة كان السحر…
أسنانها متناسقة كأنها موسيقى بصرية، وعيناها حملتني إلى شاطئ العشاق، في قارب بلا مجاديف ولا شراع.
لم أستطع النطق بكلمة… فقط جلست أحدّق، مذهولًا أمام لوحة ربّانية.
نظرت إلى ساعتي، وتمنّيت من الله أن يجمّد الزمن… أن تبقى هذه اللحظة إلى الأبد.
...يتبع
وهكذا بدأت أولى مذكراتي... لا بخُطبٍ ولا مواعظ، بل بقلبٍ أراد أن يفهم، أن يقترب، أن يُصغي لحكاية ربما تُشبهنا جميعًا.
فما بين سهام، والسحر، وشاي النعناع، وذكريات الكروان... تبدأ رحلة الرجل الذي ظلّ بداخله ولدٌ لم يكفّ عن السؤال.
روائع الكلام بوركت ووفقت
ردحذفما شاء الله كاتب يكتب بقلبه احسنت
ردحذف