في حضرة الّلا شيء المُقدَّس

فهد الطائفي




أغمض عيني، وأستمع إلى صدى روحي المتعبة. 

آهٍ، 

كم تئن هذه الروح المثقلة بأوزار الماضي، بقيود تتردد في أرجائها كأشباح عابثة. 

كم أتوق إلى الانعتاق، إلى التحرر من هذه السلاسل الخفية التي تكبل خطواتي، وتلون أنفاسي بألوان الخوف والحذر.

أحلم بمكان، لا..

ليس مكانًا بالمعنى الجغرافي الضيق، بل هو حالة من الوجود. 

حالة حيث تتلاشى الحدود بين الذات والعالم، حيث لا توجد خرائط مرسومة مسبقًا لسلوك أو فكر.  

في البقعة النقية من اللاوعي.

أتخيلني هناك، عاريًا إلا من روحي، أقف على أرض بكر لم تطأها أقدام الخوف. 

لا تسمع أذني سوى همس الكون، لغة النجوم الصامتة، وتراتيل الرياح العابثة. 

لا يوجد قاموس للعيوب أو الأخطاء، فقط انسياب عفوي للرغبات البريئة .. هناك، يصبح الخطأ تجربة، والعيب وجهًا آخر للكمال. 

هناك، يصبح الفعل تعبيرًا خالصًا عن الذات، لا يحده سوى إيقاع القلب ورغبة الروح. 

لا توجد أصابع تشير باتهام، ولا أعين ترمق باستنكار. 

فقط ..

احتضان واسع للوجود بكل تجلياته، بكل اختلافاته.

يا له من سلام سيغمرني حينها! 

سلام لا تشوبه شائبة، لا يعكره خوف من حكم أو عقاب. 

سلام ينبع من الداخل، من الاطمئنان إلى أنني حر، حر تمامًا في أن أكون "أنا" بكل تناقضاتي وتقلباتي. 

حر في أن أحب ما أشاء، وأفكر فيما يجول في خاطري، وأعبر عن نفسي بالطريقة التي تلهمني.

صرخة روح تتوق إلى أصلها النقي، إلى فطرتها السليمة قبل أن تشوهها تأثيرات العالم الخارجي. 

إنه بحث عن ذلك الطفل الداخلي الذي كان يرى العالم بعينين واسعتين مليئتين بالدهشة والقبول، قبل أن يتعلم معنى "لا"..

أعرف أن هذا العالم المثالي قد لا يتحقق على أرض الواقع بكل تفاصيله، لكن الشوق إليه هو البوصلة التي توجه خطواتي. 

هو النور الذي يضيء عتمة القيود الداخلية. 

هو الدافع للبحث عن تلك المساحات الصغيرة من الحرية والسلام في حياتي اليومية، في طريقة تفكيري، في اختياراتي، في علاقاتي.

سأزرع بذور التحرر في حديقة روحي، وأرويها بماء الوعي. 

سأقاوم همساتي الداخلية "لا تفعل" وأستبدلها بترانيم "كن أنت". 

سأبحث عن تلك القلوب التي تشاركني هذا الشوق، التي تؤمن بأن السلام الحقيقي يبدأ من التحرر من القيود الوهمية.

قد لا أعيش أبدًا في ذلك المكان الخيالي، لكنني سأحمله في داخلي كوطن بديل، كملجأ آمن، كبوصلة تهديني في رحلة البحث عن ذاتي الحرة، عن سلامي الداخلي العميق.


وسأظل أحلم، وأتوق، وأسعى، حتى تتلاشى تلك الأصوات المزعجة، ولا يبقى سوى صدى حريتي يتردد في أرجاء وجودي.


تعليقات