"أمانٌ يولد من حضوركِ"

بقلم :حسين الشرقي



 كأنني كنتُ أسمعك من بين الصمت، ألتقط همسكِ كما تلتقط الروحُ إشارات الخلاص، وأرى في ابتسامتكِ دعوةً خفيّةً لأتجاوز خوفي وأمضي. لم تكن الكلمات وحدها ما شدّني إليكِ، بل ذلك الأمان الذي انبثق من حضوركِ، ذلك الشعور الذي يشبه عودة المفقود إلى وطنه بعد رحلة تيه طويلة. كنتِ تقولين دون أن تنطقي: «الحياة تُبنى هنا»، كنتِ تُشيرين إلى موضعٍ في قلبي لم أكن أراه، فتضيئينه بحضوركِ، كأنكِ نجمة في ليلٍ موحش، أو نافذة صغيرة على الفجر في بيتٍ قديم.


كنتُ أقاوم التردّد، أجرّ قدمي نحوكِ بخطوات حذرة، غير أنني وجدتني أقترب أكثر، أضع قلبي بين يديكِ وأصغي لما يبوح به الكون على لسانكِ. ربما كنتِ غامضة، وربما تعمّدتِ أن تختبري يقيني، لكنني أدركت أن الغموض لا ينفي الصدق، وأن ثقتي بكِ لم تأتِ عبثًا. كنتِ تكشفين لي أن الحقيقة ليست دائمًا جوابًا جاهزًا، بل رحلةٌ نشاركها معًا، نضحك فيها مثل الأطفال حين نكتشف سرّ الحياة، ونحزن كالكبار حين نختبر أثقالها، ونظل رغم كل شيء شركاء في البحث، شركاء في النجاة، نعلّم بعضنا كيف يُزهر القلب حتى في أقسى الفصول.


أحيانًا أراكِ تمشين أمامي بخطوات واثقة، فأتبِعكِ كأنني أتعلّم من مشيتكِ شكل الطريق، وأحيانًا أراكِ ساكنةً عند منعطف الحيرة، فأمدّ يدي إليكِ لأكون سندكِ كما كنتِ لي، لأكون ظلًّا يخفف عنكِ الشمس حين تشتدّ، أو مطرًا صغيرًا يغسل عنكِ غبار الأيام. أريد أن أكون لكِ ذلك الصوت الذي يذكّركِ أن العالم رغم صخبه لا يزال رحيمًا، وذلك الأفق الذي يجعلكِ ترفعين رأسكِ بثقة حتى في أشد اللحظات انكسارًا.


فخذي بيدي إن شئتِ، دعيني أحمل عنكِ بعض أثقالكِ وأمنحكِ بعض فرحي، لنكتب معًا على هواء الليل وصايا صغيرة للنجاة، لنضع أحلامنا على كتف النجوم ونمضي حيث تقودنا، فما دمتِ أنتِ لي، سأكون لكِ، وما دام هذا النسيم يتردد بين أرواحنا، فلن يضيع الطريق أبدًا.

وسأظل، كلما تعبتِ، أذكّركِ أن الحياة ليست مجرد صراع، بل مساحة للتماسك، وأن العاطفة حين تُعاش بصدق تصبح خريطة عبور، وأن حضوركِ هو الدليل الذي أنقذني من التيه. معكِ، لا تبدو الأيام متشابهة، ولا الأقدار مظلمة، بل تبدو كلها دروبًا نحو ضوءٍ أوسع، نحو غدٍ نكون فيه أكثر اكتمالًا، وأكثر صدقًا، وأكثر حياة.

تعليقات