روح العشق

 بقلم : هناء درويش


كان الليل يهبط على الحارة ببطء، كأنما يمدّ عباءته السوداء ليخفي ما لا يُقال. في الناصية القديمة، جلس سليم على مقعده الخشبي المهترئ أمام دكان الوراق، يراقب العابرين بعيونٍ غائرة تحمل حكايات لم تُروَ.

لم يكن الحب عنده مجرد حكاية عابرة… كان مثل ماء النيل، يجري في عروقه دون أن يُسأل عن منبعه. كان يرى وجه ليلى في تفاصيل الحياة: في ارتعاشة ضوء مصباح الغاز، في صدى خطوات طفل يركض، حتى في الحزن المخبأ خلف جدران البيوت القديمة.

قال لنفسه وهو يحدّق في الفراغ:

 "اللي يحب بجد… يفضل عايش في روحه حتى لو الزمن سرق منه حضنه."

كانت ليلى قد رحلت منذ سنين، لكن روحها لم ترحل. بقيت تُطارده كطيفٍ عنيد، تُجلسه على حافة الذاكرة، وتجعله يسمع ضحكتها في عزّ صمته.

وحين اقترب الفجر، بدا كأن الحارة تستيقظ من نومها، بينما هو ظلّ أسيراً في يقظةٍ لا تنام. مدّ يده المرتجفة نحو الفراغ، كأنه يلمس شيئًا غير مرئي، ثم همس بصوت مبحوح:

 "يا ليلى… العشق مش بينتهي، ده بيتحول لروح… والروح ملهاش موت."

في تلك اللحظة، مرّت نسمة خفيفة، حركت ورقة جافة على الرصيف، وكأنها إشارة صامتة أن ليلى ما زالت هناك… تراقبه، كما يراقب هو الحياة من دونها.


تعليقات